أحسب أننا جميعا سنتفق أن التقنية الحوسبية أضحت جزءا هاما في حياتنا اليومية و وسيلة حيوية يصعب – أو ربما يستحيل – الاستغناء عنها. نكاد لا نتخيل طبا ولا هندسة ولا اقتصاد ولا تعليم، بل و لا حتى ترفيه، بدون هذه التقنية.
إلا أن هذا الاعتماد المتزايد على التقنية الحوسبية بخدماتها و تطبيقتها يبعث على القلق حول ما اذا كانت خصوصيتنا و معلوماتنا الشخصية و بياناتنا المستخدمة في أنظمة الحاسب الآلي محفوظة بالشكل المطلوب، مما يحتّم اهتماما أكبر بحماية هذه التقنية من العبث و الإستغلال الاجرامي من قبل المخترقين. و على الرغم من أن اختراق الأنظمة الكبيرة و المعقدة غالبا ما تقوم به عصابات منظمة خبيرة بالتفاصيل التقنية لهذه الأنظمة، إلا أن مراهقا قليل الخبرة قد يقوم بمثل هذه الاختراقات أيضا اذا ما توفرت له بعض أداوت الإختراق سهلة التشغيل و المنتشرة في شبكة الانترنت.
دوافع الاختراق تتطابق مع دوافع الجريمة في الحياة الواقعية من سعي وراء المال أو الإنتقام أو الابتزاز أو غيرها من الدوافع المعروفة، إلا أنها قد تزيد عليها أيضا بدافع آخر و هو المباهاة!
في السنوات الأخيرة ظهرت بعض الأبحاث و الدراسات التي تحذر من خطورة مثل هذه الاختراقات ليس على مستوى الأفراد و الشركات فحسب، بل على مستوى الحكومات و الدول!
هذه الأبحاث أثبتت مصداقيتها الكبيرة بعد أحداث الحرب الإلكترونية الروسية/الإستونية المقتضبه في العام 2007م. حيث قامت روسيا بشل قطاعات البنوك و الوزارات و شبكات الاتصالات من خلال هجمات اختراقية سريعة و مدروسة أدت إلى دمار لوجستي كبير مما دفع إستونيا الى إعلان الاستسلام رغم الدعم العسكري الذي كانت تتلقاه من قوات حلف الأطلسي. الأمر نفسه كررته روسيا مع جورجيا في العام التالي (2008م) حيث شنت هجمات إلكترونية مكثفة بعد حرب عسكرية هذه المره، مما أدى أيضا إلى استسلام جورجيا في وقت قصير.

هذه النوع من الحرب ليس من الضرورة أن يكون بين دولتين متقابلتين – كما في الأمثلة المشار إليها – بل قد تشنها عصابات أو أفراد هواة على دولة أو دول معينة لأغراض مختلفة. و لعل أقرب مثال على ذلك هو ما حدث من هجمات متتالية على شركات و منظمات في اسرائيل مؤخرا، حيث ادعى المسؤلية عن تلك الهجمات مخترق مجهول الهوية رمز لنفسه باللقب 0Xomar. و لكي نفهم أكثر طبيعة مثل هذه الحروب الإلكترونية و نقف على مدى خطورتها، لنقلي نظرة أكثر تفصيلا على هذه الهجمات.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، تم اختراق الموقع الرياضي الاسرائيلي الشهير جدا One.co.il بواسطة مخترق مجهول الهوية، و حسب استقرائي الشخصي أعتقد ان هذه الاختراق تم بواسطة هجمات بسيطة جدا كحقن دوال الإس كيو إل (SQL Injection). استطاع المخترق الوصول إلى جميع قواعد البيانات المرتبطة بالموقع و منها قاعدة بيانات تحوي بيانات بطاقات الإئتمان التي تم استخدامها لشراء بعض الخدمات و المنتجات من خلال الموقع. ليقوم المخترق بعد ذلك بنشر بيانات بطاقات الائتمان التي تحصل عليها بالإضافة إلى بيانات الدخول للموقع الخاصة بكل المستخدمين على الانترنت (زعم المخترق أنه تحصّل على بيانات مليون بطاقة إئتمان، إلا أن الحكومة الاسرائيلية نفت الرقم و قالت أن مجموع البطاقات التي تمت سرقة بياناتها لا تتعدى الـ 14,000 بطاقة قبل أن ترفع الرقم إلى 15,000 و أخير إلى 20,000 بطاقة ائتمان).
و بعد استنفار أمني إلكتروني كبير في اسرائيل، حدث هجوم آخر قبل ما يقارب الإسبوع عطَّل تماما موقع الخطوط الجوية الإسرائيلية و موقع بورصة أسهم تل أبيب من خلال ما يعرف بالهجمات الإغراقية (Flood Attacks).
هذه الهجمات ادعى المسؤلية عنها مجموعة من المخترقين – بالإضافة إلى 0Xomar الذي أشرنا إليه مسبقا – كـ Group-XP و Nightmare بالإضافة إلى الإشتباه في شاب إماراتي لا يتعدى عمره الـ 19 ربيعا!
الأمر المشترك بين جميع من ادعوا انهم قاموا بهذه الهجمات هو أنهم أفراد هواة و ربما أيضا صغار في السن، و على الرغم من ذلك فإن دولة مثل إسرائيل و التي تعتبر من أفضل الدول في العالم في مجال أمن المعلومات عجزت عن ردعهم و حماية أنظمتها من اختراقاتهم!
اسرائيل بدورها ادعت أنها سترد على هذه الهجمات بهجمات إختراقية أكبر على بعض الدول، خصوصا و أن الهجمات السابقة قد أصابتها في مقتل و طعنتها في قلب كبريائها الذي تباهي به دائما و هو تفوقها التقني في المنطقة و العالم. مؤخرا، زعم بعض المخترقين الاسرائيليين أنهم اخترقوا بيانات عملاء أحد البنوك السعودية، الأمر الذي ثبت أنه غير صحيح لاحقا. لكن هذا لا ينفي احتمال قيام اسرائيل بدعم و شن مثل هذه الهجمات مستقبلا على منشآت خدمية سواءً في المملكة العربية السعودية أو غيرها من الدول العربية.
ما سبق يؤكد على حتمية البحث عن حلول أكثر فعالية لهذه المعضلة من خلال وسائل حماية قادرة على حماية الدول من هجمات اختراقية على انظمة الحاسب مما قد يشل الخدمات و يعطل الحياة العامة. في أغلب دول العالم الآن توجد إدارات متخصصة تُعنى بإدارة الحرب الإلكترونية و التخطيط لردعها – فيما لا سمح الله و حدثت – و الرد عليها. أيضا يوجد ما يعرف بـ CERT أو فريق التعامل مع طوارئ الحاسب الآلي (يقوم بهذه المهمة في المملكة العربية السعودية المركز الوطني الإرشادي لأمن المعلومات الذي تشرف عليه هيئة الاتصالات و تقنية المعلومات http://www.cert.gov.sa). إلا أن حلولا أخرى – قانونية أو/و سياسية ربما -باتت ملحّة، كتوقيع اتفاقيات حماية متبادلة للمعلومات بين الدول و فرض عقوبات صارمة على الدول التي تنتهك ذلك.
د. وليد الروضان.
* مقالة منشورة في مجلة أحوال المعرفة التابعة لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة.